تشهد أسواق الذهب المحلية عمليات إعادة بيع مكثفة خلال الفترة الحالية، وسط تراجع قوي للطلب، على الرغم من الارتفاعات غير المسبوقة للأسعار، ووصول سعر جرام الذهب عيار 21 لمستوى 4155 جنيهًا، فهل فقد المصريون الثقة في الذهب؟
مع بداية عام 2016، ارتفعت أسعار الذهب بالأسواق بصورة غير مسبوقة، مع ارتفاع الأوقية بالبورصة العالمية، من جرّاءِ مخاوف المستثمرين من التداعيات الاقتصادية للبريكست، وتصويت البريطانيين لمصلحة الخروج من الاتحاد الأوروبي، الذي جرى في الثالث والعشرين من شهر يوليو 2016.
بدأ سعر جرام الذهب عيار 21 تعاملات عام 2016، عند 267 جنيهًا، ليبدأ موجة من الصعود التدريجي، ويختتم العام عند 800 جنيه، لاسيما مع قرار الحكومة المصرية بتحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر 2016.
ارتفاع أسعار الذهب بصورة غير مسبوقة خلال 2016، دفع المصريين لبيع ما في حيازتهم للاستفادة من المكاسب التي لم يكونوا يتخيلوها.
شهدت الأسواق المحلية عمليات بيع مكثفة غير مسبوقة، أدت لنقص حاد بالسيولة بالأسواق، ودفعت الأسواق للتصدير، لتوفير السيولة المطلوبة، ووفقًا لإحدى شركات التصدير، فقد شهد السوق خروج كميات كبيرة من الذهب المخزن في بيوت المصريين منذ أكثر من 30 عامًا.
وعلى عهدة بعض تجار الذهب الخام، فقد بلغت عمليات التصدير حينها لنحو 50 طنًا أسبوعيًا من كثرة حجم المعروض بالأسواق، وهي أرقام تقريبية غير دقيقة، إذ لم تصدر أي نشرات رسمية من الجمارك لحجم تصدير الخام، ولكنها تكشف عن حجم عمليات إعاد البيع حينها.
مع توجه السوق المحلي للتصدير، يكون سعر الذهب المحلي أقل من السعر العالمي، وبلغت الفجوة بين السعرين حينها لنحو 30 جنيها.
عمليات إعادة البيع التي تشهدها الأسواق المحلية حاليًا، لا تعبر عن حالة من فقدان الثقة في الذهب، بل تأكيدًا على دور الذهب في حفظ قيمة الأموال، ووسيلة للتحوط ضد التضخم وتراجع قيمة العملة، وسهولة تحوله إلى نقد، حيث اتجه المصريون خلال السنوات الثلاث الماضية، لتحويل أغلب مدخراتهم إلى الذهب، ومن ثم يحاول كثير من المواطنين الاستفادة من الأسعار الحالية، ليس بدافع المضاربات، لكن بدافع الوفاء بالالتزامات وتلبية الاحتياجات الحياتية الضرورية، وهو ما يؤكده المثل الشعبي “الذهب لوقت عوزة”.
من الطبيعي أن يتراجع الطلب خلال الفترات الحالية، مقارنة بحجم الطلب خلال السنوات الماضية، وهي السنوات التي تعد استثنائية في تاريخ سوق الذهب، نتيجة المتغيرات العنيفة التي تعرض لها الاقتصاد المصري، من ضعف حاد ومتسارع في قيمة العملة، ما دفع الناس لتحويل مدخراتهم ولو بصورة مؤقتة للذهب، وسط حالة من عدم اليقين، ومع استقرار الأوضاع، بدأ الناس مرة أخرى لتحويل الذهب لنقد، لتلبية احتياجاتهم.
ربما أيضًا شراء كثير من المواطنين للذهب في مستويات مرتفعة خلال يناير 2024، بعدما ارتفع سعر جرام الذهب عيار 21 لمستوى 4200 جنيه، وهو ما أدى إلى احتباس أموالهم لنحو عام داخل الذهب، وهو ما دفع البعض للتخلص من الذهب، إما لتلبية الاحتياجات أو مخاوف تراجع الأسعار مرة أخرى.
خلال السنوات الماضية استطاع الذهب أن يعبر عن وظائفه المختلفة، وقوته سواء في قدرته على مواجهة التضخم وحفظ قيمة الأموال، أو دروه كعملة دولية، وسهولة تسيله بسرعة لنقد، لاسيما مع مقارنته بالأوعية الادخارية الأخرى.
لن يفقد الناس ثقتهم في الذهب على الإطلاق، فهو العملة الحقيقية، والقيمة عندما تنهار الاقتصاديات.