تُعد صناعة المجوهرات من أكثر القطاعات ارتباطًا بالسلوك الاستهلاكي، والتقلبات الاقتصادية، والتوجهات الاستثمارية، ورغم أنها تمزج بين الفخامة والذوق، إلا أنها تخضع لاعتبارات اقتصادية صارمة، وتُعتبر اليوم من الصناعات ذات الأثر المباشر على الناتج المحلي في عدد من الاقتصادات النامية والمتقدمة.
الطلب العالمي تحت ضغط.. والقيمة السوقية ترتفع
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى أن حجم الطلب على المجوهرات انخفض خلال النصف الأول من 2025 بنسبة 21% على أساس سنوي، رغم ارتفاع الأسعار، وهو ما يُفسر بتراجع القوة الشرائية، لا سيما في الأسواق الآسيوية، ومع ذلك، فإن القيمة الإجمالية للمبيعات ارتفعت بنحو 9%، مدفوعة بصعود أسعار المعادن النفيسة، خاصة الذهب، الذي تجاوز 3,350 دولارًا للأوقية.
هذه المفارقة تُبرز تحولًا جوهريًا في طبيعة السوق: انخفاض في الكمية، وارتفاع في القيمة، ما يعكس تحوّل المستهلك من شراء المجوهرات كزينة إلى التفكير فيها كأصل استثماري في ظل الضبابية الاقتصادية العالمية.
هيمنة آسيوية وتراجع أوروبي
تحتل الهند والصين ما يزيد عن 60% من سوق المجوهرات العالمية من حيث الحجم. الهند تحديدًا تُعد مركزًا عالميًا لصقل الألماس وصياغة الذهب، في حين تُعتبر الصين أكبر مستهلك نهائي للمجوهرات منذ 2015.
في المقابل، تراجع الدور الأوروبي، باستثناء إيطاليا، التي حافظت على مركزها في تصميم المجوهرات الفاخرة، لكن شركات مثل Cartier وBulgari وVan Cleef & Arpels باتت تعتمد بشكل متزايد على خطوط إنتاج خارج القارة لتقليص التكاليف.
ارتفاع الأسعار يضغط على سلاسل الإمداد
شهد الذهب ارتفاعًا يقارب 400 دولار منذ بداية 2025، بينما قفزت أسعار الفضة والبلاتين بنحو 30%. هذا الارتفاع انعكس على التكلفة الإنتاجية للمجوهرات، ودفع بعض المصنّعين إلى خفض عيارات الذهب أو اللجوء إلى تصاميم مفرغة لتقليل الوزن، وهو ما أقرّ به أكثر من مصدر في تقارير استقصائية حديثة نشرتها Investopedia وBloomberg.
كما أن تكاليف النقل والتأمين وتوريد الأحجار الكريمة شهدت ارتفاعًا في ظل الأزمات الجيوسياسية وتقييد سلاسل التوريد القادمة من إفريقيا وجنوب شرق آسيا.
التكنولوجيا تُغيّر معادلة السوق
تشهد الصناعة تحولًا تقنيًا يتمثل في:
-
استخدام الطباعة ثلاثية الأبعاد لتسريع النماذج الأولية
-
توظيف البلوك تشين لتوثيق مصدر الأحجار الكريمة ومحاربة التزوير
-
إدماج الذكاء الاصطناعي في تحليل سلوك المستهلك وتخصيص التصميمات
هذه الابتكارات تمثل ميزة تنافسية واضحة، لا سيما لشركات المجوهرات متوسطة الحجم التي تسعى لاختراق الأسواق الرقمية دون الاعتماد الكامل على قنوات التوزيع التقليدية.
مؤشرات السوق
المؤشر | الرقم | التغير السنوي |
---|---|---|
حجم السوق العالمي | 343 مليار دولار (2025) | +6.2% |
متوسط سعر الذهب | 3,310 دولار/أوقية | +13% |
مساهمة آسيا في الطلب | 53% | مستقر |
نسبة المجوهرات الرقمية | 21% من المبيعات | +4% |

التحديات: بيئية وتشغيلية
من أبرز التحديات التي تواجه الصناعة:
-
استدامة الموارد: ضغوط بيئية متزايدة على مناجم الذهب والأحجار الكريمة
-
التزوير: تزايد المعروض من الألماس المزروع في المختبر دون إفصاح واضح
-
الرقمنة البطيئة: رغم توفر التكنولوجيا، لا تزال كثير من العلامات الصغيرة عاجزة عن التحول الرقمي الكامل
-
الضغط الضريبي والجمركي: كما في حالة المجوهرات الهندية المصدرة إلى الولايات المتحدة بعد التهديدات بفرض رسوم
فرص الاستثمار
رغم التحديات، تظل الصناعة جذابة للمستثمرين للأسباب التالية:
-
ارتفاع قيمة الذهب يجعل المجوهرات أداة تحوّط فعالة
-
نمو التجارة الإلكترونية بنسبة تتجاوز 15% سنويًا في هذا القطاع
-
الاتجاه نحو مجوهرات مستدامة وعالية التخصيص يفتح آفاقًا جديدة أمام الشركات الناشئة
صناعة المجوهرات لم تعد ترفًا استهلاكيًا فحسب، بل تحولت إلى مؤشر دقيق للاقتصاد الكلي وتوازنات السوق العالمي. وبين تقلبات أسعار الذهب، والابتكارات التقنية، والوعي البيئي المتصاعد، تبرز هذه الصناعة كمجال مرن قادر على التكيّف، يوازن بين الجمال والقيمة والربحية.