في خطوة تعكس اتجاهاً استراتيجيًا واضحًا للابتعاد عن الدولار الأمريكي وتعزيز الملاذات الآمنة، كشف بنك الشعب الصيني عن مواصلة شراء الذهب خلال شهر يوليو، ليُسجل بذلك الشهر التاسع على التوالي من تعزيز احتياطاته من المعدن النفيس.
ووفقًا لبيانات رسمية نشرها البنك، فقد ارتفعت احتياطيات الصين من الذهب إلى 73.96 مليون أوقية، بزيادة طفيفة عن مستويات يونيو التي بلغت 73.90 مليون أوقية، بينما صعدت القيمة الإجمالية للاحتياطيات إلى 243.99 مليار دولار مقارنة بـ242.93 مليار دولار في الشهر السابق، مستفيدة من الارتفاع المستمر في أسعار الذهب عالميًا.
توجه استراتيجي بعيد المدى
استئناف الصين لشراء الذهب بدأ في نوفمبر 2024 بعد توقف دام ستة أشهر، لكنها عادت بنهج أكثر ثباتًا واتساقًا، ما يشير بوضوح إلى تحوّل استراتيجي في إدارة احتياطاتها الأجنبية. وتأتي هذه الخطوة في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية، وتوسّع المواجهات الاقتصادية بين الشرق والغرب، إضافة إلى تنامي المخاوف من الإفراط في الاعتماد على الدولار الأمريكي.
زين وفدا، كبير المحللين في OANDA، قال في تصريح لـ “رويترز”:”الصين ترسل إشارة واضحة للأسواق العالمية، مفادها أن الذهب ليس مجرد أصل احتياطي، بل عنصرٌ أساسي في مزيج استراتيجي شامل لحماية الاقتصاد من التقلبات الجيوسياسية والدولارية.”
شراء منهجي رغم ارتفاع الأسعار
رغم أن أسعار الذهب وصلت إلى أعلى مستوياتها التاريخية في الربع الثاني من 2025 – متجاوزة حاجز 3500 دولار للأوقية – لم تتراجع الصين عن الشراء، ما يعكس رغبة لا ترتبط بالسعر بل بالهدف الاستراتيجي طويل المدى.
وبحسب وكالة “بلومبرج”، فإن إجمالي مشتريات الصين من الذهب منذ نوفمبر الماضي تجاوز 34 طنًا، بمتوسط شهري ثابت قدره 2.2 طن.
في مواجهة الضغوط الأمريكية
يأتي هذا التحول وسط ضغوط متزايدة من السياسات الاقتصادية الأمريكية، لا سيما بعد أن أقرّت الإدارة الحالية تعريفات جمركية موسعة على الواردات من الصين، ما يدفع بكين نحو تعزيز قوتها النقدية والسيادية بعيدًا عن النظام المالي الغربي.
كما يُعتقد أن التوسع في احتياطي الذهب يهدف إلى دعم خطط الصين لتدويل اليوان، وتقديمه كعملة تسوية تجارية بديلة في منطقة البريكس ومبادرة “الحزام والطريق”.
نظرة إلى الأمام: هل يتجاوز الذهب 4000 دولار؟
في ظل استمرار عمليات الشراء من البنوك المركزية – وعلى رأسها الصين – توقعت دراسة استقصائية حديثة لـ “رويترز” أن يبلغ متوسط سعر الذهب في النصف الثاني من 2025 نحو 3220 دولارًا للأوقية، مع احتمالات أن يُلامس سقف 4000 دولار إذا تصاعدت التوترات الجيوسياسية أو تراجعت الثقة في النظام النقدي العالمي.
أبرز النقاط التحليلية:
المحور | التفاصيل |
---|---|
عدد أشهر الشراء المتتالي | 9 أشهر (من نوفمبر 2024 إلى يوليو 2025) |
حجم الاحتياطي الحالي | 73.96 مليون أونصة تروي |
قيمة الذهب في الاحتياطي | 243.99 مليار دولار |
الدافع الرئيسي | التحوّط من مخاطر الدولار وتصعيد النفوذ الجيوسياسي |
توقعات الأسعار | 3220 إلى 4000 دولار للأوقية خلال 2025 |
التحرّك الصيني المستمر في سوق الذهب يعكس اتجاهًا عالميًا متزايدًا بين البنوك المركزية نحو إعادة تقييم تركيبة الاحتياطات الدولية، في وقت تعاني فيه السندات السيادية الغربية من تذبذبات حادة، يُعاد الاعتبار للذهب كحجر زاوية في إدارة السيادة النقدية.