سجل الذهب مستويات غير مسبوقة في الأسواق العالمية، حيث لامست الأوقية 3600 دولار هذا الأسبوع لأول مرة، لترتفع بنسبة 37% خلال عام واحد، وفي الوقت نفسه، حققت أسهم شركات التعدين مكاسب قوية بلغت نحو 90% منذ بداية العام، ما يعكس تصاعد الطلب على المعدن الأصفر كملاذ آمن في مواجهة حالة عدم اليقين الاقتصادي والمالي.
الذهب كأداة للتحوط لا للاستثمار
يرى محللون أن الارتفاعات القياسية الأخيرة تؤكد أن الغرض الأساسي من الاحتفاظ بالذهب ليس تحقيق الأرباح السريعة، بل التحوط ضد التضخم والأزمات المالية.
فالعملات الرئيسية مثل الجنيه الإسترليني والدولار واليورو فقدت الكثير من قيمتها الحقيقية على مدار العقود الماضية، بينما ظل الذهب محتفظًا بقيمته على المدى الطويل، وهو ما يعزز ثقة المستثمرين فيه كمخزن آمن للثروة.
ارتفاع عوائد السندات العالمية
الأسواق العالمية شهدت أيضًا قفزات في عوائد السندات، إذ سجلت السندات البريطانية (Gilts) أعلى مستوياتها منذ عام 1998، وارتفعت عوائد السندات اليابانية لأجل 30 عامًا، وكذلك عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 و30 عامًا.
ويُعزى ذلك إلى مخاوف تتعلق بالاستدامة المالية للاقتصادات الكبرى، خصوصًا مع تفاقم مستويات الدين وغياب خطط جادة لخفض الإنفاق أو زيادة الإيرادات.
بريطانيا نموذجًا للأزمة
تُعد المملكة المتحدة مثالًا واضحًا على التحديات الحالية؛ فالعوائد على سنداتها الحكومية ارتفعت لتصبح الأعلى بين دول مجموعة السبع، مدفوعة بتضخم مزمن ناجم عن ارتفاع تكاليف الطاقة، وتسويات الأجور في القطاع العام، والسياسة الحكومية المتعلقة بالمعاشات، ويجد وزير الخزانة البريطاني صعوبة في تحقيق توازن بين النمو والسياسات الطاقية الطموحة، ما يعزز المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد البريطاني.
البنوك المركزية تواصل شراء الذهب
ورغم هذه القمم السعرية، فإن البنوك المركزية لا تزال تواصل شراء الذهب بكثافة منذ 2013، حتى باتت حيازاتها من المعدن تفوق سندات الخزانة الأمريكية، وتشير تقديرات غولدمان ساكس إلى إمكانية وصول أسعار الذهب إلى 4000 دولار منتصف العام المقبل، وربما 5000 دولار إذا استمرت الضغوط على استقلالية البنوك المركزية، فيما يرى محللون آخرون أن بلوغ 7000 دولار ليس مستبعدًا على المدى الأطول.
مستقبل مشهد الاقتصاد العالمي
المخاوف الأساسية تدور حول قدرة الحكومات على ضبط أوضاعها المالية، سواء عبر إصلاح أنظمة الرفاهية، أو إعادة النظر في سياسات الطاقة والهجرة، أو حتى خفض الضرائب لتحفيز النمو، لكن مع غياب مؤشرات جدية على ذلك، تبقى الأسواق مقتنعة بأن العملات الورقية ستواصل فقدان قيمتها، وأن الذهب سيظل الأداة الأكثر فعالية للتحوط وحماية الثروة.
الارتفاعات الأخيرة قد تُغري بعض المستثمرين بجني الأرباح، لكن الاتجاه العام يشير إلى أن الذهب ما زال يلعب دوره التاريخي كدرع واقٍ ضد الأزمات المالية وضعف العملات، وفي ظل بيئة اقتصادية عالمية مثقلة بالديون ومهددة بتقلبات سياسية ونقدية، فإن الذهب يرسخ مكانته كأصل استراتيجي لا غنى عنه.