ارتفعت أسعار الذهب لمستويات قياسية، لتلامس الأوقية أعلى مستوى في تاريخها عند 3700 دولار في 16 سبتمبر الجاري، بفعل تراجع الدولار، مع ترقب الأسواق لقرار الفيدرالي الأمريكي مساء اليوم الأربعاء، ووسط المخاوف من الركود التضخمي، وتصاعد التوترات الجيوسياسية.
خلفية اقتصادية داعمة
هذا المسار التصاعدي يأتي في وقت تتجه فيه الأنظار إلى قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض متوقع لأسعار الفائدة، وهي سياسة نقدية أثبت التاريخ أنها تصب في مصلحة الأصول غير المدرة للعائد مثل الذهب، الأداء الأخير يعكس ثقة المستثمرين المتزايدة في المعدن كملاذ آمن وكأداة تحوط من التضخم في فترات التيسير النقدي.
ووفقًا لتحليلات بنك أوف أمريكا، فإن المشهد الاقتصادي الحالي يُهيئ ظروفًا استثنائية لدعم ارتفاع الذهب، خاصة مع تنامي المخاوف من الركود التضخمي، وهو السيناريو الاقتصادي الأصعب الذي يجمع بين التضخم وتباطؤ النمو في الوقت نفسه، هذا المناخ يعزز من القيمة الجوهرية للذهب في أعين كل من المستثمرين المؤسسيين والأفراد.
التضخم والسياسة النقدية
قراءة مؤشر أسعار المستهلك لشهر أغسطس عند 2.9% جاءت لتقدم دفعة إضافية للذهب، ووفقًا لبحث أجراه بنك أوف أمريكا، لم يشهد الذهب أي تراجع منذ عام 2001 في الفترات التي يتجاوز فيها التضخم الأمريكي حاجز 2% بالتزامن مع سياسة نقدية توسعية للفيدرالي، هذا الارتباط التاريخي يسلط الضوء على البيئة المواتية الحالية لاستثمارات المعادن الثمينة.
أداء الذهب عبر الأطر الزمنية
عند النظر إلى الأطر الزمنية المختلفة، يتضح حجم الزخم الصعودي، فمن أدنى مستوى سجله خلال 52 أسبوعًا عند 2564 دولارًا في سبتمبر 2024، ارتفع الذهب بنسبة 44%، والنسبة نفسها تنعكس عند المقارنة السنوية، ما يؤكد استمرارية الاتجاه الصعودي على مدى الاثني عشر شهرًا الماضية.
الأكثر لفتًا للانتباه هو تعافي الذهب من أدنى مستوى سجله هذا العام عند 2638 دولارًا في يناير 2025، ليحقق ارتفاعًا بنسبة 40% منذ ذلك الحين، هذا التسارع يشير إلى قوة الطلب المؤسسي والسيادي في ظل استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي.
مكاسب قصيرة الأجل ورسائل أعمق
الأداء على المدى القصير لا يقل أهمية، إذ تشير البيانات إلى مكاسب شهرية تبلغ 6.20%، بينما ارتفع الذهب منذ بداية العام بنسبة 40.31%، هذه الأرقام تعزز مكانة الذهب كأحد أقوى السلع أداءً في عام 2025.
لكن وراء هذا التحرك السعري تكمن قضايا أوسع، تشمل الاستدامة المالية، وتصاعد التوترات الجيوسياسية، وتأثيرات السياسات النقدية التوسعية طويلة الأجل، ومع سعي البنوك المركزية عالميًا لإيجاد التوازن بين دعم النمو وكبح التضخم، يستعيد الذهب بريقه كأداة تقليدية لحفظ القيمة وتنويع المحافظ الاستثمارية.
إعادة تقييم شاملة
الزخم الفني، والدعم الأساسي، والتحولات في السياسات النقدية، كلها مؤشرات على أن صعود الذهب الحالي ليس مجرد موجة مضاربية عابرة، بل يعكس إعادة تقييم للمخاطر والقيمة في الاقتصاد العالمي المتغير، وفي ظل هذا السياق، تواصل أصول الملاذ الآمن التقليدية، وعلى رأسها الذهب، حيث اجتذاب المزيد من الاهتمام والتخصيص ضمن الاستثمارات المؤسسية.