شهدت أسعار الذهب في السوق المحلية خلال شهر يونيو الماضي ارتفاعًا طفيفًا بنسبة 0.47%، في الوقت الذي سجلت فيه الأوقية العالمية تراجعًا طفيفًا بلغ نحو 0.5%، وسط حالة من التقلبات الحادة التي ضربت الأسواق العالمية والمحلية على حد سواء، وذلك بحسب تقرير حديث صادر عن منصة «آي صاغة» لتداول الذهب والمجوهرات.
تحركات السوق المحلية: مكاسب محدودة وسط اضطرابات الأسعار
قال سعيد إمبابي، المدير التنفيذي لمنصة «آي صاغة»، إن السوق المصرية شهدت تحركات متذبذبة لأسعار الذهب خلال يونيو، حيث ارتفعت الأسعار بقيمة 20 جنيهًا للجرام من عيار 21، ليبدأ تعاملات الشهر عند مستوى 4600 جنيه، ويصعد إلى 5000 جنيه في منتصف الشهر، وهو أعلى مستوى تم تسجيله خلال يونيو، مدفوعًا بتطورات سياسية أبرزها تصاعد التوترات بين إيران والكيان المحتل.
ومع تراجع حدة التوترات، انخفض السعر إلى أدنى مستوياته خلال الشهر عند 4580 جنيهًا، قبل أن ينهي تعاملات يونيو عند مستوى 4620 جنيهًا للجرام.
أما على صعيد الأسواق العالمية، فقد بدأت الأوقية تعاملات الشهر عند مستوى 3290 دولارًا، ولامست مستوى 3453 دولارًا خلال موجة الصعود الناتجة عن التصعيد العسكري، ثم عادت للانخفاض تدريجيًا لتنهي تعاملات الشهر عند 3308 دولارات.
عوامل التذبذب: الجغرافيا السياسية وصناع القرار في الواجهة
وفقًا لإمبابي، فإن تعاملات الذهب خلال شهر يونيو تأثرت بعدة عوامل جوهرية، أبرزها الاضطرابات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خاصة الصراع الإيراني مع الاحتلال الإسرائيلي، بالإضافة إلى استمرار البلبلة في السياسات النقدية للبنك الفيدرالي الأمريكي.
هذه العوامل تسببت في اضطرابات حادة في عمليات التسعير داخل السوق المحلية، حيث عجز التجار والمستهلكون عن تحديد اتجاه واضح للأسعار، خاصة في منتصف الشهر الذي تزامن مع موجة من الغموض السياسي والأمني.
البداية المستقرة والمنتصف المضطرب: كيف تحركت الأوقية؟
في الأسبوع الأول من يونيو، حافظ الذهب على مكاسبه التي حققها في مايو، حيث ظل السعر العالمي فوق مستوى 3380 دولارًا للأوقية، لكن مع دخول الأسبوع الثاني، بدأت الأسواق تستجيب لتصريحات تميل إلى التشدد من مسؤولي الفيدرالي الأمريكي، ما رفع التوقعات باستمرار معدلات الفائدة المرتفعة لفترة أطول، وهو ما أدى إلى ضغط محدود على الأسعار العالمية.
إلا أن المنعطف الأبرز جاء يوم 13 يونيو، حيث أدت تقارير عن ضربات عسكرية إسرائيلية لمواقع إيرانية إلى قفزة سريعة في أسعار الذهب، ليصل إلى أعلى مستوى شهري عند 3458 دولارًا للأوقية، مع تنامي رغبة المستثمرين في التحوّط من تداعيات التصعيد العسكري.
لكن هذا الصعود لم يدم طويلًا، فمع ظهور بوادر التهدئة، بدأت الأسعار بالتراجع تدريجيًا لتستقر في نطاق يتراوح بين 3310 و3335 دولارًا خلال الأسبوع الأخير من الشهر، قبل أن تختتم على 3274 دولارًا، بتأثيرات متداخلة من مشهد اقتصادي وسياسي شديد التعقيد.
العامل الأمريكي: ترامب يدخل على الخط ويشعل الجدل
من بين المحركات الرئيسية لتقلبات الذهب خلال الشهر كان التدخل السياسي المباشر في السياسة النقدية الأمريكية، حيث وجّه الرئيس السابق دونالد ترامب انتقادات لاذعة لرئيس الفيدرالي جيروم باول، مطالبًا بخفض الفائدة الفورية، في رسالة يدوية جاء فيها: “مئات المليارات تضيع! ولا يوجد تضخم!”
هذا التصعيد السياسي أشعل المخاوف في الأسواق حول استقلالية الفيدرالي، وزاد من تقلبات السوق، حيث لجأ بعض المستثمرين إلى الذهب كملاذ آمن وسط حالة الفوضى السياسية في الولايات المتحدة.
مشروع “قانون ترامب الضريبي” وتبعاته على الدولار والذهب
لم تقتصر الضغوط على المشهد السياسي، بل امتدت إلى المخاوف المالية، بعد طرح “قانون ترامب الضريبي” الذي تتجاوز قيمته 3.3 تريليون دولار، وقد حذر عدد من الاقتصاديين – من بينهم إيلون ماسك – من أن هذا القانون قد يؤدي إلى زيادة التضخم وإضعاف الدولار الأمريكي، وهو ما يصب تقليديًا في صالح الذهب.
العلاقات التجارية على المحك.. والذهب في صدارة الملاذات
في سياق آخر، تراقب الأسواق المهلة النهائية التي حددها البيت الأبيض لإبرام اتفاقات تجارية جزئية مع عدد من الدول الكبرى، مثل اليابان والاتحاد الأوروبي، ومع اقتراب موعد 9 يوليو وتهديد الإدارة الأمريكية بفرض رسوم جمركية إضافية، ازدادت شهية التحوّط لدى المستثمرين، مما أبقى الطلب على الذهب عند مستويات مرتفعة.
الطلب الآسيوي يدعم الأسعار في نهاية الشهر
في الأسواق الآسيوية، وخاصة في الهند، شهدت نهاية الشهر زيادة موسمية في الطلب على الذهب، بحسب تقارير نقلتها وكالة رويترز، مما ساهم بدوره في استقرار الأسعار نسبيًا رغم التحديات.
الذهب يحتفظ بمكانته رغم الاضطرابات
وسط هذه العوامل مجتمعة، حافظ الذهب على مكانته كأحد الأصول الآمنة، حتى مع تراجع الزخم الصعودي. وأشار تقرير شهري صادر عن بنك HSBC إلى أن متوسط السعر المتوقع للذهب خلال 2025 يبلغ حوالي 3215 دولارًا للأوقية، ضمن نطاق تداول يتراوح بين 3100 و3600 دولار.
نظرة مستقبلية: العيون على يوليو
رغم انتهاء يونيو، تبقى الأنظار شاخصة نحو تصريحات مرتقبة من رئيس الفيدرالي جيروم باول، ورئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد خلال يوليو، ومع استمرار الضغوط الجيوسياسية والمالية، فإن أي تغير في النبرة أو القرارات قد يعيد إشعال حركة الأسعار.
في ظل هذه المعطيات، يبقى الذهب مرشحًا للاستفادة من أي تصعيد سياسي أو ضعف اقتصادي قادم، بينما يستمر المستثمرون في مراقبة المؤشرات بعناية بحثًا عن فرص جديدة في سوق يتسم بالغموض والتقلّب.