شهدت أسعار الذهب موجة صعود استثنائية منذ بداية عام 2024 وحتى منتصف 2025، حيث سجّل المعدن النفيس ارتفاعات قياسية على كافة المستويات الفصلية والسنوية، مدفوعًا بعوامل اقتصادية وجيوسياسية متشابكة، أبرزها تزايد رهانات خفض أسعار الفائدة العالمية، وتصاعد المخاطر الجيوسياسية، وتنامي الطلب الاستثماري والمؤسسي.
ووفقًا لبيانات مجلس الذهب العالمي، ارتفع متوسط سعر الأوقية بالدولار في الربع الثاني من 2025 إلى 3280 دولارًا، مقارنة بـ2069 دولارًا في الربع الأول من 2024، مسجلًا زيادة بنسبة +59% خلال 15 شهرًا فقط، و+66% منذ الربع الرابع من 2023 (1972 دولارًا).
قفزات سعرية متزامنة عالميًا
لم يكن الصعود حكرًا على الدولار الأمريكي، إذ ارتفعت أسعار الذهب بحدة أيضًا عند قياسها بعدد من العملات الرئيسية:
العملة | Q4 2023 | Q2 2025 | نسبة الزيادة |
---|---|---|---|
اليورو (€) | 1,834.6 | 2,893.1 | +58% |
الجنيه الإسترليني (£) | 1,590.1 | 2,456.3 | +54% |
الفرنك السويسري (CHF/kg) | 56,317.1 | 87,133.4 | +55% |
الين الياباني (¥/g) | 9,388.9 | 15,252.4 | +62% |
الروبية الهندية (Rs/10g) | 60,590.6 | 94,876.0 | +56% |
اليوان الصيني (RMB/g) | 458.2 | 762.5 | +66% |
هذا الصعود المتوازي في جميع العملات يعكس اتجاهًا عالميًا موحدًا نحو الذهب كأصل تحوّطي رئيسي في مواجهة اضطرابات الاقتصاد الكلي وتقلّبات السياسة النقدية.
مكاسب سنوية قياسية في 2024
وفق البيانات السنوية للمجلس، بلغ متوسط سعر الذهب خلال عام 2024 نحو 2386.2 دولارًا للأوقية، مقارنة بـ1941 دولارًا في عام 2023، أي بزيادة قدرها 23% على أساس سنوي — وهي الأكبر منذ بداية جائحة كورونا.
وقد سجّل الذهب ارتفاعًا سنويًا في كافة العملات:
-
+23% بالدولار الأمريكي واليورو
-
+20% بالجنيه الإسترليني والفرنك السويسري والروبية
-
+32% بالين الياباني
-
+25% باليوان الصيني
أسباب الارتفاع: خليط من العوامل المحفّزة
ساهمت عدة عوامل رئيسية في هذه القفزة التاريخية:
-
سياسات نقدية توسعية مرتقبة: توقعات متزايدة بخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة وأوروبا.
-
التوترات الجيوسياسية: تصاعد النزاعات التجارية، والتوتر في مضيق تايوان، وأزمات الطاقة.
-
توسع مشتريات البنوك المركزية: لا سيما من دول آسيا وأمريكا اللاتينية.
-
زيادة الطلب الصناعي: على خلفية التوسع في الصناعات الإلكترونية والتكنولوجية والطاقات المتجددة.
-
ضعف الدولار في بعض الفصول: مما عزز الإقبال على الذهب كبديل للعملات.
تاريخ يعيد نفسه… لكن بقيم جديدة
بمقارنة مستويات أسعار الذهب في 2025 مع عام 2010، تتضح الصورة التالية:
-
ارتفعت الأوقية بالدولار من 1225 في 2010 إلى 3280 في منتصف 2025، أي أكثر من 167%.
-
تضاعفت الأسعار باليورو من 925.1 إلى قرابة 2893 (+212%).
-
سجلت الأسعار بالين واليوان والروبية نموًا تجاوز 150% في 15 عامًا، ما يعكس فقدان العملات لقوتها الشرائية وتزايد دور الذهب كمخزن للقيمة.
نظرة مستقبلية: نحو 3,500 دولار؟
ترجّح مؤسسات مالية عالمية، مثل Citi وUBS وStandard Chartered، أن يواصل الذهب اتجاهه الصاعد في النصف الثاني من عام 2025، متوقعةً أن يتخطى 3500 دولار للأوقية إذا ما تم تثبيت أو خفض أسعار الفائدة رسميًا في اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي المقبل.
في المقابل، يحذر محللون آخرون من احتمال حدوث تصحيح تقني، خاصةً في حال تحسّن مفاجئ في بيانات سوق العمل الأميركي أو تسوية جيوسياسية في بعض النقاط الساخنة.
الذهب يعود إلى مركز القرار المالي
بات الذهب في موقع أكثر حساسية وتأثيرًا في النظام المالي العالمي، ليس فقط كأصل تحوّطي، بل كمؤشر على الخلل المتزايد في توازنات الاقتصاد الكلي العالمي، في ظل استمرار الضبابية، وتدهور الثقة في العملات، وتفاقم الديون السيادية، يبدو أن الذهب في طريقه ليصبح أكثر من مجرد “ملاذ آمن”… بل مرآة دقيقة لحالة النظام المالي العالمي.