شهدت الأسواق المالية في الآونة الأخيرة تطورًا اقتصاديًا لافتًا في الولايات المتحدة، تمثل في ارتفاع مؤشر البطالة إلى 4,3%، وإضافة نحو 22 ألف وظيفة فقط في تقرير الوظائف لشهر أغسطس، بينما افترضت توقعات الاقتصادين أن تصل الوظائف إلى حوالي 75 ألف وظيفة، هذه البيانات التي تشير إلى ضعف محتمل في سوق العمل الأمريكي، لم تكن مجرد أرقام عابرة، بل أحدثت ردود فعل قوية في الأسواق، خاصة في سعر الذهب، وأثارت تساؤلات جدية حول مستقبل السياسة النقدية للبنك الاحتياطي الفيدرالي.

لماذا يرتفع الذهب عندما تزيد البطالة؟
تُعد العلاقة بين الذهب ومؤشرات الاقتصاد الكلي علاقة عكسية تقليدية، يُعرف الذهب بأنه ملاذ آمن للمستثمرين، وهو ما يعني أنه يميل إلى جذب رؤوس الأموال خلال أوقات عدم اليقين الاقتصادي أو التوترات الجيوسياسية، وبالتالي عندما تظهر بيانات سلبية عن سوق العمل (مثل ارتفاع معدل البطالة)، يترجم ذلك مباشرة إلى مؤشر على ضعف الاقتصاد، ما يدفع المستثمرين إلى التخلي عن الأصول ذات المخاطر العالية، مثل الأسهم، والتوجه نحو الذهب.
علاوة على ذلك يرتبط الذهب بعلاقة عكسية مع الدولار الأمريكي، وضعف الاقتصاد الأمريكي غالبًا ما يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار، وبما أن الذهب يُسعَّر بالدولار، فإن انخفاض قيمة العملة الأمريكية يجعله أرخص بالنسبة للمشترين من حاملي العملات الأخرى، ما يزيد الطلب عليه ويدفع سعره للارتفاع.
ومن ثم كان الأسبوع الماضي أسبوعًا ساخنًا للذهب، حيث انتهت تعاملاته بصعود عنيف على أثر بيانات التوظيف الأمريكية السلبية، حيث ارتفع سعر الذهب بمجرد صدور تقرير الوظائف الأمريكي لشهر أغسطس يوم الجمعة 5 سبتمبر (الجمعة الأولى من الشهر كما هو معتاد) بمعدل نحو 1,15%، ليصل إلى 3586,8 دولار للأوقية بعد وصوله قمة جديدة 3600 خلال الجلسة، كما ارتفعت أسعار العقود الآجلة للذهب بنحو 1,29%، ليغلق عند 3653,3 دولار للأوقية.
هل اقترب موعد خفض الفائدة؟
يعتبر ارتفاع معدل البطالة إلى 4,3% عاملًا حاسمًا في توجيه قرارات البنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث يركز الفيدرالي على تحقيق هدفين رئيسيين: استقرار الأسعار (مكافحة التضخم)، وتحقيق أقصى قدر من التوظيف، وفي ظل استقرار التضخم نسبيًا، يصبح الهدف الثاني محور اهتمام رئيسي.
تشير بيانات البطالة الحالية إلى أن الاقتصاد قد يتباطأ، وهو ما يزيد الضغط على الفيدرالي لتغيير مساره من التشديد النقدي إلى التخفيف، لاسيما وأن تخفيض أسعار الفائدة هو أداة رئيسية لتحفيز النمو الاقتصادي، حيث يجعل الاقتراض أقل تكلفة للشركات والأفراد، ما يشجع على الاستثمار والإنفاق، ويساهم في خلق فرص عمل جديدة.
لذلك، فإن ارتفاع معدل البطالة هذا يعزز بشكل كبير التوقعات بأن الفيدرالي قد يتجه نحو خفض أسعار الفائدة في اجتماعاته المقبلة، وربما قبل الموعد الذي كانت تتوقعه الأسواق.
ويعزز ذلك التوقع تصريحات جيروم باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في ندوة 22 أغسطس في جاكسون هول، على مرونة الفيدرالي وأنه سيستجيب للبيانات الجديدة وعدم الالتزام بمسار محدد مسبقًا، لذا تشير التوقعات إلى أن خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة وربما نصف نقطة أصبح وشيك.
يُشير الارتفاع الأخير في مؤشر البطالة الأمريكي إلى تحول محوري في المشهد الاقتصادي، لم تؤثر هذه البيانات بشكل مباشر على أسعار الذهب فقط، بل وضعت أيضًا البنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف قد يدفعه إلى اتخاذ قرار بتخفيض أسعار الفائدة، من المرجح أن يستمر الذهب في جذب المستثمرين كملاذ آمن في ظل هذه التطورات، مما يعزز مكانته كأحد أهم الأصول في أوقات عدم اليقين. ستظل الأنظار متجهة نحو أي تصريحات قادمة من مسؤولي الفيدرالي الأمريكي.