شهدت أسعار الذهب والفضة تراجعًا حادًا خلال تعاملات اليوم الثلاثاء في الأسواق الأمريكية، متأثرةً بموجة بيع قوية امتدت من جلسة الإثنين، بعد الخسائر الحادة التي مُني بها المعدنان في بداية الأسبوع. ولامس كلا المعدنين أدنى مستوى لهما منذ ثلاثة أسابيع، في وقتٍ تشهد فيه الأسواق موجة من الإقبال على المخاطرة مع اقتراب الولايات المتحدة والصين من إبرام اتفاق تجاري واسع النطاق.
هبوط حاد في أسعار المعدنين النفيسين
انخفضت عقود الذهب الآجلة تسليم ديسمبر بنحو 82.30 دولارًا لتُسجّل 3,937.10 دولارًا للأوقية، بينما تراجعت عقود الفضة الآجلة تسليم ديسمبر بمقدار 0.449 دولار لتُغلق عند 46.325 دولارًا للأوقية.
ويعكس هذا الهبوط حالة من التصحيح الفني الحاد بعد أن ألحقت التداولات الأخيرة ضررًا واضحًا بالرسوم البيانية قصيرة الأجل، ما يشير إلى أن المعدنين قد بلغا قمة سوقية مؤقتة في الوقت الحالي.
ارتفاع شهية المخاطرة وتفاؤل تجاري يقوّض الملاذات الآمنة
عزّزت مؤشرات الأسهم الأمريكية مكاسبها خلال التعاملات الليلية، حيث صعدت مؤشرات ستاندرد آند بورز 500 وناسداك إلى مستويات قياسية جديدة، مدعومة بتوقعات إيجابية حول الصفقة التجارية المرتقبة بين واشنطن وبكين.
هذا التحسّن في شهية المستثمرين للمخاطرة دفع المتعاملين إلى تقليص مراكزهم في أصول الملاذ الآمن مثل الذهب والفضة، ما أسهم في تسارع وتيرة البيع خلال الساعات الأولى من جلسة نيويورك.
وتشير بيانات السوق إلى أن التفاؤل المتزايد بشأن اجتماع القمة المنتظر بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الصيني شي جين بينج، والمقرر عقده الخميس في كوريا الجنوبية على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ (APEC)، كان أحد أبرز محفّزات التحوّل في معنويات المستثمرين.
العوامل الخارجية المؤثرة: الفيدرالي، الدولار، والنفط
بدأ اليوم اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) التابع لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والذي يُتوقّع أن يُختتم غدًا الأربعاء بقرار جديد بشأن الفائدة، وسط انقسام واضح داخل المجلس بين دعاة مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة ومَن يرون أن الاقتصاد الأمريكي لا يحتاج إلى مزيد من التحفيز النقدي.
ومن المرجّح أن يُعلن الفيدرالي عن خفض ربع نقطة مئوية في سعر الفائدة للمرة الثانية خلال العام الجاري، في ظل تباطؤ البيانات الاقتصادية وغياب بعض الإحصاءات الرسمية نتيجة استمرار الإغلاق الجزئي للحكومة الأمريكية.
وفي الوقت ذاته، استقر مؤشر الدولار الأمريكي عند مستويات قوية نسبيًا، ما زاد من الضغوط على المعادن المقوّمة بالدولار. بينما تراجعت أسعار النفط الخام لتتداول حول 60.50 دولارًا للبرميل، مع استقرار عائدات سندات الخزانة الأميركية لأجل 10 سنوات عند 3.97%.
تطورات اقتصادية وسياسية داعمة للتقلب
على الصعيد الاقتصادي العالمي، أعلنت الصين اليوم عن تفاصيل خطتها الخمسية الجديدة التي تبدأ في عام 2026، والتي تهدف إلى زيادة الاعتماد على الاستهلاك المحلي وتقليل الاعتماد على التجارة الخارجية، مع التركيز على الاكتفاء التكنولوجي وتعزيز الاستثمار في الصناعات المتقدمة والطاقة النظيفة.
ويُنظر إلى هذه الخطوة على أنها جزء من تحوّل استراتيجي طويل المدى يهدف إلى تقليل تأثر الاقتصاد الصيني بالضغوط الخارجية والتقلبات العالمية.
وفي اليابان، التقى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برئيسة الوزراء ساناي تاكايتشي، حيث وقّع الجانبان اتفاقيات جديدة بشأن التجارة والمعادن الحيوية، تتضمن تعهدًا بتعزيز التعاون في مجالات التمويل والتصنيع والتوريد، مع التزام طوكيو بزيادة وارداتها من المنتجات الزراعية الأمريكية.
تأثيرات سوق العمل والشركات الكبرى
في سياق آخر، أعلنت شركة أمازون عن خطة لتقليص 14 ألف وظيفة في إطار عملية إعادة هيكلة كبرى، قد تمتد لتشمل نحو 30 ألف وظيفة عالميًا، وفقًا لتقارير Bloomberg وReuters.
وقالت “بيث جاليتّي”، نائبة رئيس الشركة لشؤون تجربة الموظفين والتقنية، إن الهدف هو تقليل البيروقراطية وإعادة توجيه الموارد نحو القطاعات الأكثر أولوية، مع استعداد الشركة لإعلان نتائج الربع الثالث يوم الخميس المقبل.
خلاصة المشهد العام
يتّضح من تحركات اليوم أن أسواق الذهب والفضة تخضع لضغوط مزدوجة، الأولى نفسية – فنية، نتيجة موجة البيع وجني الأرباح عقب بلوغ القمم التاريخية منتصف أكتوبر (4381 دولارًا للذهب وقرابة 52 دولارًا للفضة)، والثانية اقتصادية – سياسية، بسبب عودة الثقة النسبية للأسواق العالمية مع توقع خفض الفائدة وهدوء النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.
ويؤكد محللون أن هذه المرحلة قد تمثل تصحيحًا مؤقتًا ضمن اتجاه صاعد طويل المدى، خاصة في ظل استمرار الطلب الصناعي القوي على الفضة وتزايد مشتريات البنوك المركزية من الذهب كتحوّط ضد تقلبات العملات.
ومع قرب صدور بيان الفيدرالي الأمريكي غدًا الأربعاء، تبقى الأسواق في حالة ترقّب حذر، حيث سيحدد نغمة باول مسار الذهب والفضة في الجلسات المقبلة، فإذا كانت تصريحاته حذرة ومائلة للتيسير، فقد نشهد ارتدادًا في الأسعار، أما إذا حملت نبرة متشددة، فقد يواصل المعدنان النفيسان التراجع نحو مستويات دعم جديدة.
















































































