بمجرد أن تطأ قدميك هذا الصرح العظيم تشعر وكأنك في عالم أخر أو أنك مررت بألة الزمن تنقلك ما بين حضارات وكنوز معرفة مختلفة ومتنوعة تستنير بها العقول، صدق من وصفها بمنارة العلم، فهي شعاع النور الذي ينقلنا ما بين الحاضر والمستقبل في أجواء تبهر كل من له عقل ويبحث عما هو جديد.
أن تتجول داخل قاعات المكتبة هي تجربة مميزة تنقلك إلى عالم من الخيال ممزوج بواقع مضيء ينعش العقل ويدعو للبهجة، دعونا نتجول بعقولنا في صرح من الخيال لنصف لكم صورة لهذا الإرث الثمين.
تفتخر مكتبة الإسكندرية، من خلال مركز الفنون وإدارة المعارض والمقتنيات الفنية التابعين لها، بكونها ملاذًا لمحبي الفنون ومنارةً لنشر الثقافة في المجتمع المصري، وتستضيف المكتبة مجموعة من المعارض الدائمة في هذا الصرح الهائل، تتمثل في 5 معارض وهي معرض متحف عالم شادي عبد السلام، ومعرض التراث الشعبي يضم مجموعةالزوجين الراحلين رعاية النمر وعبد الغني أبو العنين، ومعرض الخزف لرائد الخزف المصري “محي الدين حسين”، ومعرض محمد حسنين هيكل، إضافة إلى معرض مختارات من فن الكاريكاتير.
وسترتكز جولتنا في التنقل داخل معرض ” الفن الشعبي العربي”،الذي يعرض تشكيلة متنوعة من مجوهرات وأزياء رعاية النمر إلى جانب اللوحات الشعبية المستوحاة من زوجها الفنان والمصمم عبد الغني أبو العينين.
«يسرية حسني»
قضى أبو العينين وزوجته حياتهما في جمع الفنون الشعبية ومحاولة توثيق الثقافة العرقية للقرى والواحات المصرية، والتي كانت جزءًا من عملهما كأول مصممي أزياء للمجموعة الوطنية للفنون الشعبية.
سافرت “النمر ” في جميع أنحاء مصر لجمع هذه المجموعة الفريدة من المجوهرات والأزياء والحلي والأعمال الخشبية والمعدنية والأقمشة، فلم تقتصر مجموعتها الغنية والمتنوعة على الثقافة المصرية فقط، بل شملت أيضًا قطعًا اختارتها خلال رحلاتها إلى اليمن والشرق الأقصى.
ويضم المعرض34 لوحة للفنان عبد الغني أبو العينين إضافة إلى 658 قطعة تمثل عناصر من الثقافة المصرية والعربية، يُمكن أن تشكل خطوة في تحديد ملامح الهُوية العربية بما تحويه من قيم ورموز ثقافية.
وينقسم معرض الفن الشعبي العربي إلى ستة أجزاء رئيسية تمثل قطاع جغرافي وثقافي مختلف،وهي الواحات،وسيناء،والدلتا وسيوة والصعيد والعالم العربي،ويتضمن كل قطاع بعض المعروضات نظرًا لمحدودية المساحة المتوفرة.
كما تتيح المكتبة جميع مقتنيات المعرض على شبكة الإنترنت ضمن مشروع “التراث في حركة” الذي تتبناه منظمة الدول الفرنكوفونية لدعم المعلومات.
وتبرعت أسرة الزوجين الراحلين لمكتبة الإسكندرية بمكتبتهما الخاصة والتي تضم حوالي أربعة آلاف كتاب.
وأضيفت إلى المعرض خلال الفترة الأخيرة، مجموعة “الحلي والتراث” التي تعد مجموعة متميزة ومختلفة، والتي أهدتها الدكتورة يسرية عبد العزيز حسني، الباحثة في مجال الحُليُّ والأحجار التراثية.
فقد تجولت الباحثة في أنحاء مصر من صعيدها إلى ريفها، ومن صحاريها وواحاتها إلى واديها وشبه جزيرة سيناء؛ تجمع وتدرس سمات فن الحلي التراثي في تلك المناطق عبر العصو، بل وتنقلت أيضًا بين بلدان شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية تضيف إلى مجموعتها عناصر أخرى غنية تحمل معها ملامح تلك البلدان وتراثها الذي تناقلت معتقداته وسماته الأجيال عبر السنين، مقدمة بذلك توثيقًا لقطع الحلي التي صاغتها أيادي حرفيين قدامى بتصميمات تلقائية، مستعينين بعناصر من البيئة المحيطة بهم.
وتبرز هذه المعروضات التنوع الثقافي الغني في مصر الناتج عن التنوع الجغرافي من مناطق صحراوية ومناطق ريفية أو الصعيد.
ونجد في المعرض مجموعة مميزة من الحلي المصنوعة من الخرز الملون والأصداف بأشكال مميزة وخلابة والتي كانت تصنعها النساء للتزين وللوقاية من الحسد، بالإضافة إلى الحلي المصنوعة من الخيوط الصوفية وتدعى “الشراشيب” (التي تغزل من الجمال والأغنام التي تربى في البيئات المحلية) وتستخدم النساء هذا النمط الخاص من الحلي نظرًا لفقر الموارد الاقتصادية وصعوبة الحصول على الخامات ذات الأثمان الباهظة مثل الفضة والذهب اللتين تعتبران من المعادن النفيسة والتي يصعب على نساء الطبقات المتوسطة والدنيا اقتناؤها ،وتبدع النساء في غزل وصباغة هذه الحليات كبديل عن إظهار جمال شعرها الطبيعي، الممنوع رؤيته على الغرباء.
كما تضم المعروضات بعض أدوات المنزل المميزة كالمغزل، والمطحنة ومعصرة القصب،بالإضافة إلى الخناجر، بجانب الملابس المطرزة بدلالات خاصة لكل ثقافة فعلى سبيل المثال فملابس سيناء تأتي بها زخارف تغلب عليها الأشكال الهندسية مثل المثلث كحجاب لدرء الحسد والعين الشريرة، والأشكال النباتية التي ترمز إلى الخصوبة.
ويظهر في ملابس سيوة التطريز على شكل أشعة الشمس الممتدة من نقطة واحدة ويُرجح أن ذلك بسبب عبادة الشمس التي كانت سائدة في مصر القديمة ووجود معبد أمون في المنطقة، والذي كان يمثل إله الشمس.
أما ملابس الصعيد فيطرز غطاء الرأس بوحدات ذات دلالات ثقافية خاصة، إذ ترمز العروسة لدرء الحسد، والزهرية للتفاؤل، والجمل رمز من البيئة للصبر والتحمل، والنخلة رمز للخصوبة.