تتحرك الصين بخطى متسارعة لاقتحام مجال حفظ احتياطيات الذهب السيادية للدول، في محاولة لتكريس نفسها مركزًا مؤثرًا في سوق المعدن النفيس، في مواجهة المراكز التقليدية في لندن ونيويورك، ورغم أن هذه الخدمة ليست جديدة عالميًا، فإن دخول بكين على الخط قد يعيد رسم خارطة القوة في أسواق المعادن الثمينة.
وتقوم فكرة «حفظ الاحتياطيات» على تخزين الذهب في خزائن آمنة وفق مواصفات رابطة سوق السبائك في لندن (LBMA)، مع إثبات الملكية وتحديد شروط الوصول والتأمين والنقل. ويُعد تقديم خدمات الحفظ عنصرًا جوهريًا في تعزيز الثقة وجذب مزيد من التعاملات لأي مركز عالمي للذهب.
تشير بيانات مجلس الذهب العالمي إلى تحول واضح في توجهات البنوك المركزية؛ فـ59% منها باتت تفضّل التخزين المحلي لجزء من احتياطيات الذهب، مقابل 41% فقط العام الماضي، مع عودة الاهتمام بتنويع التخزين الخارجي لأول مرة منذ 2022.
وفي هذا السياق، توسّع الصين بوابة دخولها للسوق العالمية عبر بورصة شنغهاي للذهب، التي دشنت أول خزائنها الخارجية في هونغ كونغ العام الجاري. وسيعمل بنك الشعب الصيني على استمالة الدول الصديقة لتخزين وشراء الذهب داخل الأراضي الصينية، بالتوازي مع تخفيف القيود على استيراد المعدن، بهدف تحرير أكبر سوق ذهب في العالم.
هذه التحركات بدأت بالفعل تثير اهتمام دول في جنوب شرق آسيا، وتنسجم مع استراتيجية صينية أوسع نحو نظام مالي عالمي أقل اعتمادًا على الدولار، مع تعزيز مكانة اليوان ومنافسة مراكز النفوذ الغربية كواشنطن ولندن وزيورخ.
ورغم ذلك، يبقى بنك إنجلترا الخيار الأول عالميًا لدى 64% من محافظي البنوك المركزية لتخزين الذهب، بحسب مسح مجلس الذهب العالمي، حيث يضم أكثر من 5 آلاف طن بقيمة تفوق 600 مليار دولار. وفي الولايات المتحدة، تتحصن سبائك الخزانة الأميركية داخل «فورت نوكس» الشهيرة بكنتاكي، إضافة إلى خزائن الاحتياطي الفيدرالي بنيويورك التي تضم أكبر احتياطي ذهبي مخصّص رسميًا في العالم بنحو 6331 طنًا متريًا في 2024.
أما سويسرا، فتبقي أكثر من 70% من ذهبها داخل حدودها، بينما يوزّع «بوندسبنك» الألماني احتياطياته الضخمة بين فرانكفورت ولندن ونيويورك لأسباب تاريخية ترتبط بالحرب الباردة، وفق «رويترز».
ويُتوقع أن يؤدي أي توسّع صيني في تخزين الذهب الأجنبي إلى تعزيز نفوذ بكين في قرارات إدارة الاحتياطيات والسياسات النقدية. كما قد تجد الدول الناشئة في ذلك فرصة لتجنّب المخاطر الجيوسياسية وتجميد الأصول، وهي مخاوف تفاقمت عقب تجميد أصول روسيا في 2022.
من ناحية السوق، قد يؤدي الطلب الإضافي إلى دفع الأسعار للصعود، مع احتمالات لظهور فروقات سعرية حسب موقع المخزونات وتكاليف نقلها وحمايتها.
وتحافظ الصين على زخم الشراء: ففي الربع الثاني من 2025 احتلت المركز السادس عالميًا باحتياطي بلغ 2298 طنًا (6.7% من إجمالي الاحتياطي الأجنبي)، بينما واصل بنك الشعب شراء الذهب للشهر العاشر على التوالي حتى أغسطس الماضي.
ورغم هذه الخطوات، يؤكد أدريان آش، مدير الأبحاث في «بوليون فولت»، أن الصين ما زالت تفتقر إلى «سوق مصرفية للسبائك» حقيقية، وأن بناء مخزونات قابلة للتأجير والتداول يمثل خطوة أساسية في هذا الاتجاه، إضافة إلى ضرورة تخفيف القيود على تصدير السبائك لتقليص الفجوة مع الأسعار العالمية.
ويبقى الرهان الأهم — بحسب الخبراء — هو قدرة الصين على إقناع المستثمرين الأجانب بالثقة في سيادة القانون وحماية الملكيات داخل دولة ذات نظام سياسي مركزي، في منافسة مباشرة مع الإرث العميق للندن ونيويورك في عالم حفظ الذهب.


















































































